ـ الغضب:
الغضب انفعال يمكن أن يكون داخليّا وخارجيّا في نفس الوقت، وهو انفعال يدفع للحركة والهجوم والعدوانيّة إلاّ إذا استطاع صاحبه التّحكّم فيه. ومن العبارات المبيّنة للغضب نجد:
ـ اختلّ توازني.
ـ ارتجفت أوصالي.
ـ انكفأ لونه وارتجفت أوصاله.
ـ فقدت عقلي ورشدي بسرعة فائقة.
ـ أحسست بالدّم يتدفّق في عروقي ساخنا هائجا مجنونا مسحوقا….
ـ انفجر المستودع الخفيّ في نفسي وتصاعد لهيبه حتّى شعرت وكأنّه يحرق روحي.
ـ شعرت باليأس المميت، والغضب القاتل، وبغيظ حانق يطحن نفسي.
ـ غضبت غضبا جنونيّا جارفا
ـ اشتعل دمي نارا موقدة، وضغط على سمعي فأصبحت لا أكاد أسمع شيئا، وخضب عينيّ فأصبحت أرى الدّنيا شعلة حمراء
ـ تسارع نسق تنفسي وتدفق الدّم في عروقي وأصبحت كالثّور لاأرى إلاّ اللّون الأحمر
ـ شعرت بصدري يمتلئ، ويتصلّب كالأفعى إذا هوجمت.
ـ أحسست بدمائي تلتهب وتحرق عروقي جميعا.
ـ صرت أتحفّز للقتال
ـ استولت عليّ حالة مريرة ملوّثة بالغضب والحقد
ـ غمرني جوّ مشبع بالغضب والحقد
ـ لفحت قلبي هبّة من انفعال شديد.
ـ التهب وجهي غضبا
ـ بقي صامتا لا يحوّل عينيه عنّي ينظر إليّ نظرة غيظ وحنق .
ـ ينظر إليّ بقساوة.
ـ صرخ في وجهي، وهو يضرب كفّا يكفّ
ـ زمجر في وجهي، وهو يضرب كفّا يكفّ
ـ افترسني غضب شديد، وصرخت بشيء من التّحدّي.
ـ طفح الكيل فتوتّرت أعصابي، وفار دمي، وانفجرت كالقنبلة أصرخ، وأصيح…
ـ جنّ جنوني، واستولى عليّ غضب ما انفكّ يزداد ويزداد … فاندفعت نحوه موجّها له الإهانات والتّهديدات
ـ كدت أنفجر لأنّفس عن صدري الكظيم ولكنّي ملكت أعصابي
ـ خلعت ثوب الجلال والوقار وانفجرت في وجهه
ـ كان كلّ واجد منّا ينظر شزرا للآخر
ـ تلاقت عينانا بالنّظرات، نظرات ملتهبة
ـ صرت لا أسمع ولا أرى شيئا على الإطلاق
ـ كان قلبي يوشك أن ينفجر حنقا
ـ كنت على وشك الاختناق بشدّة الغضب
ـ صرت أتنفس بصعوبة وتقطّعت الكلمات بين شفتيّ
ـ نظرت إلى وجه أمّي فإذا لونه العاجيّ قد استحال إلى لون رماديّ تشوبه زرقة، وارتجفت يداها وأصبحت أشبه ما تكون بقنبلة قد سحب منها صمّام الآمان ما تكاد تمسّ حتّى تنفجر
ـ وقف أبي ووجهه مربدّ وجفناه يرتعشان وقد عضّشفته السّفلى حتّى كاد يقطعها
ـ كان الغضب قد ذهب بي مذهبا جعلني لا أقوى على الكلام
ـ رمت الأمّ ابنتها بنطرة يبطاير منها الشّرر
ـ ولمّا سمعت ما قاله صديقي بشأني غضبت غضبا شديدا، وتألّمت ألما شديدا
ـ الغضب والمشاجرة:
ـ إنّ البشائر الأولى تؤذن بوقوع مشاجرة
ـ وانطلقت الألسنة تقذف السّباب والشّتائم بشتّى أنواعها
ـ وبدأت تتعالى الصّيحات والهمهمات والتّهديدات المختلفة من كلّ جانب معلنة بداية المعركة
ـ التقطت أنفاسي وهجمت عليه
ـ صرخ صديقي المسكين مجهشا وهو يكاد يختنق
ـ اندفعت نحوه صارخا موجّها له الإهانات والتّهديدات
ـ اشتدّ بي الغضب ولم أعد أتماسك نفسي فاندفعت نحوه……
ـ الغضب والانزواء:
ـ وقعت بين مشاعر شتّى تجذبني تارة إلى … وتشدّني تارة أخرى إلى…
ـ ازدادت حالتي تأزّما وانتابتني وحدة وكآبة وسيطرت عليّ رغبة عارمة في الانزواء والهروب من أعماقي المتمزّقة وكلّما أوغلت في وحدتي أحسست بتحدّ داخلي
ـ أصبحت معزولا عن النّاس وعن الحياة لقد أحسست أنّ كلّ شيء قد أفلت من زمام يدي، وفي غمرة حزني فكّرت في …
ـ ترقرقت دمعة اليأس في عينيّ ولأوّل مرّة شعرت أنّ الحياة تلفظني وتتحدّاني
ـ بدت لي الغرفة ضيّقة، موحشة، وانكمشت بصورة مضحكة داخل فراشي، بين أربعة جدران، وأظلّ السّاعات الطّويلة شارد الذّهن، لا أكاد أستقرّ على حال
ـ التّحكّم في الغضب:
ـ التقطت أنفاسي وتمالكت أعصابي.
ـ دفنت غضبي في أعماق نفسي، وارتددت إلى طبيعتي الأولى.
ـ ملكت نفسي، وهدّأت غضبي.
|
ـ الاعتذار والشعور بالخجل:
ـ أحسست بالخجل
ـ فأخذته بين ذراعيّ وضممته إليّ بكلّ قوتي
ـ ما كدت أفتح فمي حتّى أومأ إليّ بيده أن أسكت واضعا سبّابته على فمه
ـ أذعنت لمشيئته
ـ كان لا مناص لي من الاعتراف
ـ اعتراني أسف شديد، وآثرت السّلامة فأعتذرت
ـ اعتراني خوف شديد، وآثرت السّلامة فظللت صامتا
ـ وجدت نفسي وجه لوجه أمام أبي….
ـ وقفت أمامها شديد الاضطراب وقد بدا عليّ الخوف بوضوح وفجأة ودون شعور غرقت أجفاني في الدّموع
ـ وقفت أمام أمّي وعلى وجهي كلّ علامات الخيبة لعدم نجاحي في مهمّتي
ـ اقشعرّ جسمي عندما فكّرت أنّي أنا الّذي كنت سأقوم بهذا العمل. حمدت اللّه الّذي نجّاني وأوقع هؤلاء التّلاميذ في مغبّة أعمالهم
ـ سكتت البنت… وقد ترقرقت الدّموع في عينيها… ليست دموع أوجاع تحسّ بها… وإنّما دموع لوضع حدّ للوم أمّها
ـ شعرت بقلبي يدقّ بشدّة، ولكنّي اقتربت من الباب برفق وطرقته… ثمّ دخلت بهدوء وطلبت من أمّي العفو. قالت أمّي:”إنّ اللّه يعفو عن النّاس… وما دمت قد ندمت على ما فعلته فإنّ اللّه هو الغفّور الرّحيم… إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا يا ولدي”
ـ طأطأت البنت رأسها وانهمرت الدّموع من عينيها
ـ سكتت أمّي، وكفّت عن إيذائي بالكلام الجارح، فأحترمت سكوتها، ولم أنبس بحرف، وبقيت منكّس الرّأس، أقرع سنّ النّدم، وكلامها لا يبارح فكري
|
ـ الشعور بالفشل والهزيمة:
ـ عدت إلى المنزل وحاولت التّسلّل إلى الدّاخل ولكنّي وجدت نفسي وجها لوجه أمام أمّي، فزعزعت المفاجأة كياني ترى أأنا في حلم من الأحلام ولكنّي أعرف حقّ المعرفة أنّي في الحقيقة فأنا لم أحسب حساب هذا اللّقاء، ولم آخذ أهبتي له، ولم أرسم خطّة من خططي البارعة، فقد أخذت على غرّة ومنيت بالهزيمة، وبادرتها…..
ـ الشعور بالصّدمة:
ـ سرت في جسمي من قمّة رأسي إلى أخمص قدميّ رعدة كانت أعنف ما يمكن لأوصالي
ـ عندئذ خيّل إليّ أنّني وقعت في بئر لا يسبر له غور، وشعرت بقلبي يدقّ بعنف، وأحسست بمغص في بطني، وبرجليّ قد انفصلتا عنّي كما لو أنّ قنبلة مزّقتني إلى أجزاء صغيرة متناثرة ولاحظت أمّي ما آلت إليه حالي فصفعتني صفعتين قويّتين
ـ الشعور بالظلم:
ـ أفلتت منها صرخة ثمّ غطّت وجهها بيديها وصرخت إجهاش يمزّق الأكباد
ـ شحب وجهه ثمّ صرخ بشيء من الحدّة
|
ـ الشعور بالخوف:
ـ خفق قلبي وتسارعت دقّاته
ـ فزعت فزعا فاتلا
ـ شعرت بالغثيان
ـ تعرّقت وارتجفتّ أطرافي
ـ أحسست بالاختناق وضيق التّنفس
ـ تصلّبت شراييني وضاق تنفسي
ـ أحسست بدوار واختلّ توازني وثقل رأسي حتّى أصبحت لا أستطيع حمله
ـ أصبت بالهلوسة وانتابني الجنون فصرت لا أميّز شيئا
ـ صرت أخاف الأماكن الخاليّة وأتجنّب نظرات النّاس
ـ احتبس تنفّسي، وتناقصت دقّات قلبي، فشعرت بوجهي يشحب، وعضلاتي تتقلّص، وببوادر دواريصيبني
ـ لقد ألصق الخوف مرفقيّ بجانبيّ، وجعلني أحتلّ أقلّ حيّز ممكن، وحملني على أن لا أتنفّس إلاّ لتاقدر الضروريّ
ـ بينما كنت في أحد اللّيالي مستلقعلى فراشي مرّت بي أشباح فاهتززت. سمعت صوتا يجيء من بعيد يخلج الصّدر، فتشجّعت، وقمت، ومشيت محترسا حتّى إذا اقتربت من باب المطبخ، ارتفعت دقّات قلبي…
ـ ازداد الصّوت حدّة وشدّة، فأحسست نهايتي قد اقتربت
ـ استولى عليّ خوف شديد ولكنّي لن أقهر في يسر أو سهولة
ـ خافت البنت خوفا شديدا، حتّى أنّها لم تستطع أن تصرخ وتستغيث، ولمّا أفاق تمن ذهولها …
|
ـ الحزن:
ـ انتابني صمت عميق، وشرود وذهول غريبين
ـ أخذ حزني يزداد شيئا فشيئا
ـ كم أتمنّى أن أبكي لعلّي أجد في البكاء بعض الرّاحة
ـ تحجّرت دموعي في مقلتي وانكفأت إلى الدّاخل
ـ كان الحزن يمتصّ قلبي امتصاصا فيسلبني قوتي ويقضي عليّ شيئا فشيئا
ـ بكيت بصمت دون أن أنطق بكلمة واحدة
ـ كانت عيناها مطفأتين من أثر البكاء الموصول، وكانت لزوايا فمها التواءة الألم المألوف تلك الّتي ترى عند المحكوم عليهم والمرضى بداء لا برء منه
ـ كانت مشية الولد، وهيئته، وجرس صوته، والفترات بين كلّ كلمة من كلماته وبين الأخرى، ونظراته، وصمته، واقتصاده في الحركة. كان كلّ ذلك يفصح عن فكرة واحدة: الحزن
ـ كان الحزن منثورا عليه، بل كان مغطّى به
ـ كنت أقبع مع نفسي أحاورها في حزن، وحيرة
ـ امتلأت نفس الولد بالحزن والهمّ
ـ مسكين صديقي ليس في الدّنيا كلّها من هو أشدّ منه حزنا وغمّا
ـ وما زادني حزنا على حزن غضب أمّي منّي، فأنشأت أقرع سنّ النّدم، وأقسمت أن لا أقدم على فعل شيء يغضبها
الفرح
ـ خرجت من الباب ولشدّ ما فرحت فرحا لا يوصف عندما رأيت الدّرّاجة قد نسيها أبي مركونة في الحديقة، فأسرعت إليها، وأمسكت بها، وحينما نويت أخذها تذكّرت كلمات أبيحين قال لي: “حذر اللّعب بالدّرّاجة”، فتردّدت قليلا، وكدت أعيدها إلى مكانها
ـ كاد الولد أن يجنّ من شذّة فرحه
ـ تهلّل وجه الولد سرورا
ـ سمعت الخبر فأنطلقت منشرح الصّدر، مبتهج الفؤاد
ـ سمعت كلام أمّي وأنا لا أصدّق أذنيّ، وفركت عينيّ … ثمّ فتحتها على الآخر حتّى أتأكّد من أنّي صاح، ولست في حلم
ـ إنّ علامات الحزن والألم الّتي كانت على وجهه قد تغيّرت … وحلّت محلّها ملامح السّعادة والأمل
العزم
“ـ قلت في نفسي:”هيّا فإنّ العلم يدعونا والنّجاح أمامنا
ـ ملأتني كلمات المعلّم بنشاط عظيم، وقوة هائلة، وتصميم لا حدّ له
ـ بقيت إلى وقت متأخر أجلس إلى منضدتي ألوّن الصّورة الّتي كلّفنا بها المعلّم بلمسات سحريّة من ريشتي، ولكن جفناي أصبحا يغمضان من شدّة النّعاس فلا ألبث أن أنهض وأستوي معتدلا، وأتمّ تلوين الصّورة
|
ـ الاضطراب:
ـ أريد أن أصرخ ولكنّي أسمع صوتي يرتجف رغما عنّي فتخرج الكلمات متقطّعة
ـ يمتلئ صوتي بالدّموع فيرتجف رغما عنّي
مضى يذرع الطوار لأنه لم يكن يحتمل الجمود طويلا. وكأنما سويت أعصابه من قلق، وكان يذرعه بعجلة دلت على انشغاله واضطرابه وقلقه، كان ضيق الصدر تلوح في عينيه نظرة شاردة تغيب بصاحبها عما حوله.
…وكان صوت ابنها مضطربا حين لفظ هذه الكلمات، فأطالت الأمّ النّظر إليه، واستغربت أن تراه أصفر الوجه، يتصبّب العرق من جبينه
ـ عزمت أن أتظاهر بالبهجة والسّرور وعدم المبالاة حتّى لا تتفطّن أمّي لما فعلت وأتمكّن من الأفلات من العقاب
ـ الانفعال النّفسي (الحيرة)
ـ قلت لنفسي في صمت عميق « كنت فيما مضى أعتني بدروسي… فأتفوّق وأتحصّل على الجوائز »، ثمّ أسألها « ماذا أصابني؟ لماذا هذا النّفور بيني وبين الدّراسة؟ »، وفي الأخير أجيبها « إنّي مضطرب، متسمّر في مفترق طرق لا أعرف أيّها أختار؟ »
ـ لقد اقتحمت مشاعر الحيرة قلبي، وجعلتني أعيش في عذاب وألم
ـ في الأخير قرّرت أن أخلّص نفسي من عناء هذه الحيرة وعذابها
ـ تشابكت الأفكار في رأسي فقيّدتني وكبّلتني وشلّت حركتي وجعلتني سجين حيرة أخذت تنهش عقلي. صمدت وتحاملت على نفسي وفككت قيودي وهدّأت من روعي ولمّا أحسست بالاستقرار فكّرت في هدوء ولم أجد أحسن من أن …
ـ أخذ يحاور نفسه في استغراب، وحيرة، وقلق أحيانا. لم يعثر على شيء… فأيّ حلّ يختار، وأيّ عمل يقوم به؟
ـ إنّي أحسّ بالحيرة تخنقني، تحاصرني من كلّ الجهات، وفي كلّ مكان لم يعد بإمكاني الثّبات على أدنى شيء
ـ أحسست بالحيرة تنهش رأسي، كانت الأفكار تسقط من ذاكرتي المتعبة، وازدحمت الصّور في مخيّلتي حتّى عدت لا أرى شيئا
ـ كنت أترقّب أمّي أنظر من النّافذة، ثمّ أتفحّص السّاعة، أجلس، ثمّ أقف، أضغط على قبضتيّ، وأكزّ على أسناني… متى ستصل؟
ـ أستيقظ من غفوتي، يضيق صدري، أتنهّد، ثمّ أردّد في صمت …
ـ ما بك هل أصابك مكروه، قل لي،ألا تنطق؟
ـ وبعد قليل ستأتي أمّي، وستقول أنّني غبيّ، وجبان، وهي الّتي طالما منحتني كلّ ثقتها
ـ السّاعة تجري بسرعة، والوقت يمضي دون أن أحسّ به
ـ السّاعة تتنقّل ببطء، والوقت يمضي متثاقلا يضني النّفوس
ـ أخذت الحيرة تنخر عظامي، فشلّ تفكيري، وهرب الكلام من بين شفتيّ
ـ شعرت بالأفكار تتردّد في أعماقي رأسي المسحوقة، تتلوّى، وتعاند، ثمّ تقبع لا تريد الخروج كفأر مطارد التزم جحره
ـ ومرّ عليّ الوقت طويلا، طويلا كأنّه سنة، ولكنّي صبرت، وتحمّلت بإرادتي القويّة… وقلت لنفسي: “كلّ شيء له آخر… ومهما تعسّرت المشكلة … فلا بدّ لها من حلّ”
ـ انتابت الطّفل دهشة بالغة لهذا لهذا الّذي رآه حتّى أنّه لم يستطع أن ينطق بحرف
ـ ظلّ الولد في مكانه ينظر في دهشة دون أن يتكلّم وكأنّه في حلم، وعيناه الواسعتان تتساءلان في استفهام على ما يحدث
ـ طلع الصّبح وتبدّد الحلم، وكانت المشكلة لا تزال شغله الشّاغل، ولا يعرف كيف يحلّها فذهب….
ـ استولت عليه، وعجز عن تفسير ما تسائله به نفسه، وأطرق قليلا وهو يفكّر، ثمّ رفع رأسه، وقال…..
ـ ذهبت إلى فراشي لأنام، ولكن النّوم فارق جفوني، فقدكنت مشغول البال، أفكّر في حيلة تمكّنني من الإفلات من العقاب
ـ … ولكنّي لبثت أفكّر، وأقول في نفسي: “ماذا عساي أفعل! وكيف سأتصرّف؟… ولم يوقظني من هذه الأفكار، والآراء إلاّ …
ـ أخذت البنت تجهش بالبكاء، وهي لا تدري ما تفعل، فجأة أحسّت بحركة عند الباب، فعلمت أنّ أمّها قد عادت، فحبست أنفاسها، ووقفت أمام أمّها. راع الأمّ إصفرار وجه ابنتها، وخوفها البادي على محيّاها…
ـ استيقظت في الصّباح مشتّت الذّهن، شارد الفكر
ـ جلست وحدي في غرفتي أستعيد فيها صفاء ذهني، وهدوء تفكيري
ـ انفردت بنفسي داخل الغرفة … وأخذت أفكّر في حلّ المشكلة
ـ وأخيرا اهتدى تفكيري إلى شيء ما. أخذت أقلّب هذا الشّيء في ذهني … وتحوّل إلى فكرة ربّما تحلّ المشكاة (المعضلة)، هببت من مجلسي، وأسرعت …
ـ دخلت غرفتي، وجلست، ولكنّ كلام أمّي كان مستوليا عليّ … فأنشغل فكري، وتشتّت ذهني
|
ـ الكره:
ـ صرت أكره مشيته، وصوته، وجميع حركاته
ـ الحلم:
ـ حاولت أن أتنفّس، اختنقت، وقمت فزعا مرعوبا من نومي، ألعن الكابوس
ـ الضياع:
ـ لم أعرف موقع هذا المكان المسخوط، ولكنّي سأستحضر فراستي، وأنطلق، نظرت إلى كلّ الواجهات كانت المباني العالية تضرب سورا منيعا أمامي، وأمام معرفتي بالأماكن
ـ الطقس:
ـ كانت اللّيلة باردة، والمطر يهذي، وريح الشتاء تتلاعب في الخارج
ـ النّهار خريف كلّه … الشّمس الخجلى وراء الغيم، والعصافير والأشجار نائمة تسرد أحلام أيّام الصّيف
ـ هبّت ريح عاصفة ملأت المنزل حتّى ارتجف الولد من البرد الّذي نفذ إلى عظامه. فأسرع يغلق النّافذة الّتي تركها مفتوحة يترقّب عودة أبويه. وكانت تلك اللّيلة مروّعة، مخيفة فقد أخذت الرّيح تعصف في شذّة، والمطر ينهمر بغير توقّف
ـ في مساء من أمسيات الشّتاء الباردة خرجنا من الفصل، وعجنا إلى منازلنا بعد أن قضّينا يوما …
ـ التذكّر:
ـ لا أدري كيف أفلت من ذاكرتي المتعبة صوت خافت يذكّرني…
ـ وصف لاعب كرة:
ـ كان ينطلق بسرعة، يراوغ بقيّة اللاّعبين رغم محاولاتهم للتّصدّي له، ولكنّه يتخلّص منهم، وبقذف الكرة لكلّ ذكاء، وقوة ليسكنها الشّباك، فتهتف الحناجر، ويتعالى التّصفيق
ـ الاستيقاظ على صوت المنبّه:
ـ قمت من نومي فزعا، ومددت يدي إلى المنبّه لأسكت صوت جرسه المبحوح وهو يوقظني
البحث
ـ نظرت إليّ أمّي، وقالت: »على مهلك … سأشفي غليلك، وأجيبك عن جميع أسئلتك، وستعرف الكثير عمّا تبحث »
الإعجاب
كنت لا أستطيع أن أكفّ عن النّظر إلى ذلك الفستان فقد تعلّقت به أيّما تعلّق، وخلت نفسي أرفل فيه، فتتعلّق أنظار أصدقائي بي وتبقى محبوسة مع أفواه فاغرة، وعيون لامعة كلّها دهشة وإعجاب
كانت الكسوة ممتازة، إنّها من الجاكيتات القصيرة البنيّة اللّون ذات الأزرار المصنوعة من البرونز فهي تناسبني تماما
ـ راقني منظر الطّبيعة، فتوقّفت … وبقيت مسحورا مبهورا … أنظر، ولا أتحرّك … يا للرّوعة !! ويا للبهاء !! ماذا أرى؟ وهل في يقظة أم في منام أنا؟ إنّه منظر لم تر عيني مثله قطّ … ولن أنساه ما دمت حيّا … وهل ينسى الجمال الرّائع، والمنظر الخلاّب
ـ راقني منظر الطّبيعة، فتوقّفت … وبقيت مسحورا مبهورا … أنظر، ولا أتحرّك … فلا جمال على الأرض مثل هذا … وما وقعت عيناي على أروع منه، ولا أجمل أبدا … كان منظرا ساحرا … انجذب له ناظري … فأذهل عقلي، وسبى فكري، وألهاني عن نفسي، وغفلت عن الزّمن، ولم أتفطّن لمرور الوقت
ـ راقني منظر الكسوة، فتوقّفت … وبقيت مسحورا مبهورا … أنظر، ولا أتحرّك …
الحرّ
شعرت بالحرّ، فرحت أستجدي النّسمات محرّكا ورقة أمام وجهي
الانبهار
ـ رأيت المعلّم يفتح عينيه، وينظر إلى عملي مبهورا، ثمّ شكرني، وأثنى عليّ
ـ رأى الولد شيئا عجيبا، لم يكن ليخطر له على بال، رأى كسوة …
ـ وقف الطّفل برهة أمام الكسوة حائرا مدهوشا ثمّ طلب من أمّه أن تشاريها له. إنّ جمالها باهر ساحر ! إنّها أجمل ممّا كان يتصوّر
ـ أخذت بلبّي، وسباني جمالها
طاعة الوالدين والمساعدة
ـ كان أبوها قد عوّدها أن تطيعه، فكانت لا تخالف له أمرا من الأوامر
ـ كان أبي يغمرني بجميل الملابس والكتب والألعاب ويمعن في دلالي وجلب السّرور إلى تفسي
ـ رأيت شيخا فأخذته من يده وشققت به الطّريق ما أطلق لسانه بالشّكر والثّناء
ـ وبينما هو سائر إذ صادف في الطّريق امرأة عجوزا فقيرة، محتاجة، فحنّ قلبه عليها، واقترب منها ليساعدها
ـ أثناء السّهرة، في تلك اللّيلة، عرضت أمر مشاركتي في الرّحلة على والدتي، واستأذنتها في المشاركة فيها. فأبت. فألححت. فازدادت إباء. فلم أيأس، ومازلت بها، أطمئنها حتّى لانت … وأخيرا وافقت
ـ رأيت شيخا وقورا يهمّ بعبور الطريق الواسع ولكنّه متردّد، فهرعت إليه وأمسكته من يده وعبرت الطّريق بصعوبة، ولكنّ ابتسامته المشرقة، الّتي لا تفارق وجهه، كانت خير مسلّ لي، وأحسن داع إلى الصّبر
|
وصف الأشخاص
ـ يرتبط الوصف بسرد الأحداث، ويؤكّد على تصوير الشّخصيّة أثناء الحركة والانفعال. ولكن يجب اختيار الأوصاف المناسبة للمطلوب، والمتماشيّة مع مسار الأحداث إمّا في تأزّمها، أو انفراجها
ـ الجسم:
ـ جسمه ممشوق، نحيف، في غير هزال
ـ وقفت البنت ممشوقة القامة، تقرب إلى الطّول، ليست بدينة، ولكنّها ممتلئة
ـ كان وسيم الوجه، طويل القامة، مفتول العضلات، متثاقل المشية
ـ بدين، قصير القامة، مستدير الوجه، أشعث الشّعر، يمسك بيمناه عصا غليظة
ـ بنت شقراء، ممشوقة القامة، ناصعة البياض، رقيقة القدّ، وسيمة الوجه، في حوالي الثانية عشر من عمرها
ـ كان يدنو من ختام الأربعين يسترعي الانتباه بنحافة قامته وطولها، وفيما عدا ذلك فوجهه نحيل مستطيل، شاحب اللون، ذو رأس صغير مستطيل ينحدر خفيفا إلى جبهة تميل إلى الضيق، يحدها حاجبان مستقيمان خفيفان متباعدان، يظللان عينين بالغتين في امتدادهما وضيقهما، فهما تكادان أن تملآ صفحة الوجه الضيقة فإذا ضيقهما ليتقي شعاع الشمس بدتا مغمضتين واختفى لونهما العسلي العميق، وقد تساقطت أهدابهما واحمرت أشفارهما احمرارا خفيفا، يتوسطهما أنف دقيق وفم رقيق الشفتين وذقن صغير مدبب.
ـ كان يدنو من ختام الأربعين يسترعي الانتباه بنحافة قامته وطولها، وفيما عدا ذلك فوجهه نحيل مستطيل، شاحب اللون، ذو رأس صغير مستطيل ينحدر خفيفا إلى جبهة تميل إلى الضيق، يحدها حاجبان مستقيمان خفيفان متباعدان، يظللان عينين بالغتين في امتدادهما وضيقهما، فهما تكادان أن تملآ صفحة الوجه الضيقة فإذا ضيقهما ليتقي شعاع الشمس بدتا مغمضتين واختفى لونهما العسلي العميق، وقد تساقطت أهدابهما واحمرت أشفارهما احمرارا خفيفا، يتوسطهما أنف دقيق وفم رقيق الشفتين وذقن صغير مدبب.
ـ كان معلّمنا قد بلغ من السّنّ الأربعين، على وجهه بدأ الزّمان يترك أثاره، فالشّعر بدأ يشيب، والبشرة بيضاء تعكس الصّفاء والحبّ الّذي يحمله في قلبه للتّلاميد
ـ قابلت شيخا كبيرا وقورا… له لحية بيضاء طويلة
ـ الوجه:
ـ ينطق وجهه المستطيل باللّطف، والطّيبة
ـ وجهه نحيف، بارز الوجنتين، قاسي الملامح، جاف النّظرة
ـ فهو من الوجوه الّتي أودعتها الطّبيعة الجلال والهيبة
ـ ما أن تمعن النّظر إلى وجهها حتّى ترى أنّه مشرق ينطق باللّطف، والرقّة
ـ كانت البنت ذات وجه رقيق، صغير
ـ كان وجهها يعبّر عن الطّيبة، والبساطة
ـ تحسّ وأنت تنظر إلى وجهه بالوقار يلفّه
ـ كان وجهه شاحبا جدّا، وكانت عيناه غائرتين في محجريهما بسبب الأرق
ـ العينان:
ـ تنطق عيناه بالصّفا، والطّيبة
ـ عيناها ذواتا مقلتين صافيّتين، وحدقتين عسليّتين
ـ كنت أرى من خلال عينيها الطّيبة والرّقّة
ـ كنت أرى نظرات الحزن في عينيها
ـ كانت عيناها غائرتين في الحزن
ـ كانت عيناه تعبّران عن المكر، والخداع
ـ كانت عيناه تتضرّعان …
ـ عيناه سودوان، تلوح فيهما نظرة لامعة تنمّ عن ذكائه الحادّ
ـ كانت نظرته متقلّبة توحي بالاضطراب، والحياء
ـ كنت ألقي نظرات خاطفة عليه من حين إاى حين
ـ كانت عيناها لامعتين، وفي الوقت نفسه عامرتين بالرقة والخير. وكانت شاحبة الوجه، وكان وجهها يعكس الإشراق والعافية
ـ الابتسامة:
ـ أضاءت ابتسامته وجهه شيئا فشيئا
ـ تعلو وجهه ابتسامة … (قلقة ـ مشرقة ـ شفقة …)
ـ كانت شفتاه تفترّ عن ابتسامة يغلب عليها الحزن
ـ افترّت على شفتيه ابتسامة رقّة وطيبة
ـ وكانت ملامح وجهها تدل على التفكير والرزانة، أكثر من البشاشة
ـ اليدين
كانت يداه قويتين، وعروقهما نافرة
وصف رجل فقير
أقبل الطفل يرتدي سروالا يصل إلى ركبتيه مهترئ الأكمام، والأطراف، رجلاه حافيتان لا بختلف لونهما عن لون التّراب، أمّا قميصه فقد تناثرت رقعه حتّى خيّل لي أنّه يعدّ بها سنوات عذابه، وبؤسه
نظر النّاس إلى هذا الرّجل في ضرب من القلق. فقد كان من العسير أن تقع العين على إنسان بمظهر أشد بؤسا، كان متوسّط الطول، بدينا، في عنفوان العمر، ولعله أن يكون قد بلغ السادسة والأربعين أو السابعة والأربعين. كانت قلنسوة جلدية ممالة إلى جانب تخفي نصف وجهه الذي لفحته الشمس والريح، وسال منه العرق. كان صدره باديا من خلال القميص البالي الأصفر الخشن الّذي فقد أغلب أزراره. وكان يرتدي بنطلونا كتانيا أزرق خشنا، مهترئا باليا، ابيضت إحدى ركبتيه، وتناثرت الثقوب في ركبته الأخرى، وصدرة رمادية عتيقة رثة رقعت عند أحد جوانبها بقطعة من القماش، وفي يده كان يحمل عصا هائلة ذات عقد. كانت قدماه غير المجوربتين تنتعلان حذاء ظهرت أصابعه من خلاله، وكان شعره أشعث وكانت لحيته طويلة. وأضاف العرق، والحرارة، والسير الطويل والغبار، قذارة على قذارته
ـ وصف معلّم
ـ معلّمنا رجل أمين. يقدّره الكبار، ويحترمه الصّغار، وكنت أنا أيضا أحترمه وأخشاه
ـ وصف تلميذ يتيم
ـ سامي تلميذ يحبّ الانزواء، واجتناب النّاس، فهو يبتعد عن محادثتهم، والاختلاط بهم، وكان أهمّ شيء فيه يدعو للدّهشة، ويثير الاهتمام والاستغراب نظرته الحزينة، فكنت كثيرا ما أسترق النّظر إليه فأعجب لأمره، وأسأل نفسي: »ما هو سرّ هذه النّظرة الحزينة يا ترى؟ »، وكنت أسأل أصدقائي، فكانوا أجهل منّيـ
ـ وصف مريض
ولم يكن هذا وحده مما يستلفت الانتباه ولكن خطواته لم تكن متزنة ـ يتعثر في طريقه، ويميل ذات اليمين وذات اليسار، مما أثار فضولي، فلحقت به حتى أدركته عند سور المدرسة حيث ارتمى، واتكأ عليه، مغمضا عينيه المنهوكتين من شدة التعب .. فقد كان محموما
كان تنفسها متقطعا وقصيرا تئنّ أنينا يتقطّع له القلب، ويذوب له الصّخر. أما عيناها فكانتا تعبتان، كأنها في حالة من الحمى، وكان وجهها شاحبا وكأنها في نزاعها الأخير. كان يثير في النفس مشاعر الأسى والألم
ـ أفقت مرّة من نومي وأنا أحسّ بألم لا يطاق في رأسي وكتفي وظهري، وبفشل في أعضائي، ثمّ أخذت أسعل، وأعطس، وشعرت بحرارة تغمر وجهي، وبدأت عيناي تدمعان
ـ اشتدّت بي نوبة السّعال حتّى خلت صدري ينخلع، وارتعدت أوصالي ارتعادا منكرا، وتقبّض وجهي، وتصبّب عرقا، وأصبحت ألتقط أنفاسي بصعوبة، أظلمت الدّنيا في عينيّ، وحسبتها النّهاية، واستلقيت في شيء من الفتور والهمود على فراشي
ـ أصيب أخي بالحمّى، فلزم الفراش مكرها، وأخذت صحّته تتدهور، وحالته تسوء يوما بعد يوم، فضلا عن السّعال الّذي لازمه، فانقطعت أمّي للعناية به، وبقيت بجانبه، لتمريضه وقضاء شؤونه، فكانت تسهر اللّيالي الطّوال ترعاه وتلبّي طلباته حتّى تدرّج نحو الشّفاء، وسرت في وجهه دماء العافيّة، وأصبح أحسن منه قبل ذلك
ـ وصف عامل
ـ رأيته يشتغل وهو منصرف إلى عمله انصرافا تاما، منقطع النّظير. فعلمت أنّ هذا الصّانع قد عشق مهنته، وشغف بها، فنجح في الحياة. ولم يدر في عقلي قطّ أن أنظر إلى المهنة من حيث هي، لأنّي لأعتقد أنّ كلّ حركة فيها بركة، وأنّ كلّ عمل شريف، وأنّ كلّ من يقوم يشغل، ويتقنه فنّان ، ولو كان هذا الشّغل بسيطا
ـ انكبّ العامل على عمله ينجزه بكلّ جوارحه، فلا شيء يشغله، وإنّما همّه كلّه أن يتقنه
ـ بقيت أتنقّل من مكان إلى مكان، أحادث هذا، وأعين ذاك، وأساعد الآخر، ولم أشعر بانقضاء الوقت، ولكنّ المعلّم نبّهنا إلى قرب العودة إلى منازلنا
ـ البؤس
ـ إنّ رجلا يؤمن باللّه ورسله، وآياته، وكتبه، ويحمل بين جنبيه قلبا يخفق بالرّحمة والحنان، لا يستطيع أن يملك عينيه من البكاء، ولا قلبه من الخفقان عندما يرى طفلة مسكينة باليةالثوب، كاسفة البال، دامعة العين، تمدّ يدها وتستجدي المّارة
الصّداقة
ـ وإذا بصداقاتنا الّتي أضاعها الغرور والإصرار قد أعادها الحبّ والعطف والإيثار
ـ وجدت صديقي حزينا … ينظر إلى السّماء … وكأنّه يعاتب نفسه على شيء فعله … فاقتربت منه
ـ صادقت ولدا اكتشفت فيما بعد أنّه يقضي وقته كلّه في اللّعب مع الأولاد طَوال النّهار
ـ سمعت هذه الإشاعات الّتي بدأت تنتشر بين أصدقائي وبقيّة التّلاميذ حول كلام قيل أنّه بدر من صديقي في حقّي، فقلت في أوّل الأمر ربّما كانت إشاعات وأقاويل مغرضة هدفها بذر الشّكّ والعداء بيني وبين صديقي، ولكنّي لم أستسلم لحيرتي كثيرا… وقرّرت أن أذهب بنفسي إلى صديقي وأحصل منه على الخبر اليقين. اتّخذت طريقي مسرعا لألتقي بصديقي فهو وحده سيخبرني بحقيقة ما يحدث. وصلت إلى صديقي فقد وجدته واقفا تحت إحدى شجرات السّاحة ساهما شاردا. نظرت إليه ولكنّه لم يستطع مواجهة نظراتي، ووجّه عينيه إلى أرضيّة السّاحة. حزنت لهذا الأمر … وغادرته بدون أن أنبس ببنت شفة، فقد فهمت كلّ شيء، كنت شارد الذّهن، أفكّر وقد سرحت خواطري ولم أشعر إلاّ
ـ أثّر كلام صديقي في نفسي ولكنّي كتمت شعوري وغادرته مغلوبا على أمري، والغيظ يقطع قلبي
ـ دقّ الجرس معلنا عن انتهاء الحصّة، فخرجنا إلى السّاحة، وتجمّع الأصدقاء يناقشون بعض المسائل، وكنت أستمع إليهم، غير أنّي لم أستطع أن أحبس لساني، وأخبرتهم ببعض الكلام في شأن أحد الأصدقاء، فأختلفوا بين مصدّق، ومكذّب، ومستغرب، ومتشكّك
دقّ الجرس معلنا عن انتهاء الحصّة، فخرجنا إلى السّاحة، وتجمّع الأصدقاء يناقشون بعض المسائل، وكنت أستمع إليهم، غير أنّي لم أستطع أن أتحكّم في لساني، وحدّثتهم ببعض الكلام في شأن أحد الأصدقاء، فأختلفوا بين مصدّق، ومكذّب، ومستغرب، ومتشكّك
ـ قال لنا المعلّم :”الأمر خطير جدّا، ولكن حتّى لا نتّخذ قرارنا في لحظة غضب علينا أن نهدأ” فهو يحاول أن يدرّبنا على التّفكير، واتّخاذ القرار الصّائب. صحيح أنّ صديقنا تربطنابه صداقة حميمة قويّة، ولكن هذه مصلحة شخصيّة خاصّة جدّا، وصغيرة جدّا إذا ما قيست بعلاقة الصّداقة الّتي تربط كلّ تلا ميذ القسم ببعضهم البعض، لذلك وجب علينا التّفكير بعيدا عن العاطفة. ولكن صديقنا تمادى في غروره وإصراره، ورفض أن يقرّ بالحقيقة البيّنة عليه. غضب المعلّم ولكنّه تحكّم في غضبه، فهو يريد أن يجعل صديقنا يعترف بخطئه، لذلك قرّر أن يسلك كلّ الطّرق الّتي توصله إلى هذا الهدف وقرّر أن يستدعي أباه
ـ سامي … أحببته كثيرا، وتصادقنا طويلا، ولعبنا، ولكن نهاية أمري معه كانت قاسية. فقد تدنّت نتائجي، ووبّخني والدايا
التّعرّف على صديق
كان في ذلك الطّفل شيء غريب يثير الاهتمام لأول وهلة … شيء راح يستأثر باهتمامي شيئا فشيئا، حتى أني نسيت كل شيء ماعدا النظر إليه والتحديق فيه … فقد أحببت أن أكتشف هذا السر
ـ اتّخذت فادي صديقا لي، وتمتّنت العلاقة بيننا، وأصبح لا يفرّق بيننا إلاّ اللّيل، فأعينه ويعينني، وأساعده ويساعدني، وأمدّه بما يحتاج إليه وهو كذلك حتّى صرت أترقّب قدومه، وأعاتبه على غيابه، أو تأخّره …ـ
ـ لقد كان التّلميذ الجديد واسمه علاء كريم الأخلاق، فبشاشته، وسماحة نفسه تأسرك. ولطف حديثه معك، يجعلك تحبّه، وتسايره، وتنفّذ ما يطلبه منك عن طيب خاطر
ـ اللّباس
ـ أراني البائع كسوة، تبهج النّظر، وتسرّ الفؤاد، لم أر أجمل منها، ولا أروع، أعجبني لونها الدّاكن، فرحت أتأمّلها بدهشة لا حدود لها، فلمست قِماشها، ورحت أتفحّصه، فإذا هو ناعم، وقد شعرت بنشوة وغبطة ، وأنا أتحسّسها، وتمنّيت أن أرتديها، ولكنّي كبحت جماح نفسي،وأعدتها للبائع وأنا أتنهّد، بدون أن أشعر إذ أنّها لم تعجب أمّي
ـ كنت أمرّ بين المغازات، وأتطلّع على الملابس في الواجهات، فجأة شاهدت كسوة… يا اللّه … ما أجملها، وما أبدع ألوانها، وما أروع شكلها وأبهاه!ـ
ـ نزع الغطّاس ثيابه وبدأ يرتدي كسوة الغوص … فلبس السّراويل، ثمّ الجمّازة. ثمّ الحذاء، فغطاء الرّأس، وشدّ وسطه بحزام مثقل بحلق من رصاص، لا يقلّ وزنها عن ستّة أرطال، ولبس بعد ذلك في قدميه مسباحين كساقي الضّفدع، ووضع البحّارة على ظهره قارورتين، مملوءتين هواء، وموصولتين بأنبوب ينتهي بنفّاسة، تركها تتأرجح على صدره، ثمّ وضع على عينيه نظّارة كبيرة ذات زجاجة واحدة تسمح له بالرّؤية، وتمنع الماء من الوصول لعينيه، ولم ينس أن يشدّ إلى ساقه خنجرا كبيرا في غمده
ـ التّرقّب
ـ كنت أضجر من التّرقّب، فأخذت أحادث هذا، وأستمع إلى ذلك حتّى مرّ وقت خلته دهرا، ولكنّه لم يتجاوز خمس عشرة دقيقة. وأخيرا حلّ الوقت الموعود، ورغم شدّة تلهّفي للاطلاع على النّتيجة إلاّ أنّني أحسست بالاضطراب … وخفق قلبي خفقانا شديدا، وغمرني عرق غزير
|
وصف عناصر الطبيعية
الجبال
ـ جبال شاهقة تخترق قممها قلب السحاب يكسوها الصنوبر والفلين فلا ترى العين سوى الغصون والأفنان والأوراق
ـ جبال عملاقة شامخة شاهقة في الفضاء الواسع تبدو للناظر كأنها تلامس السماء
ـ جبال صخرية عالية ذات قمم حادة ومنحدرات وعرة
ـ جبال شمّاء، تعمّم هاماتها سحب دهماء، لا تخلف الظنّ أبدا، تجود بمائها الثّمين باستمرار على أرض معطاء، فتكتسي خضرة دائمة، وتتزيّن بنبت وأزهار، فيتلطّف الجوّ، وتنتعش النّفوس، وتسبى القلوب
السهول
ـ سهول ممتدة تكسوها الخضرة حيثما التفت وتعلوه أزهار مزدانة بمختلف الألوان الزاهية حتى وكأنها زربية من حرير
ـ سهل يكسو أديمه بساط أخضر جميل خصب ونضير يثير في النفس البهجة
ـ الريف عظيم بشمسه الوهاجة وظلاله الوارفة وبهوائه اللافح ونسيمه الوديع وبغدرانه وسواقيه الجارية
ـ أعشاب خضراء تغطي الأرض كأنها بساط أخضر بديع والماء يجري خلالها يلمع مثل الفضة وزهور البنفسج والقرنفل والياسمين تزيّنها وتضفي عليها مسحة من البهاء والسّحر والفراشات الجميلة تتنقّل فوقها تلثم الرّحيق في نهم كبير والنّسيم العليل يحرّكها في رفق متّبعا ألحان تغريد الطيور وتسبيحها.
ـ حقول شاسعة متراميّة الأطراف فأينما وجهت نظرك لا ترى إلا ما يسحر العين ويشرح الصّدر ويشنّف الأذن، إنّه جمال الحياة.
وكان مرأى تلك السهول الخضراء يثير في الصدر انشراحا وفي النّفس سكينة وفي العقل انبهارا:أشجار صنوبر وأزهار بنفسج وأطيار بلابل وشمس تحبك خيوطها الذّهبيّة وترمي بشباكها على كلّ من حولها.
الغابات
ـ ما أجمل غابات الزّيتون الّتي تمتدّ على مدى البصر حسب نظام هندسيّ وترتيب بديع يأخذ بمجامع القلوب ويبعث مرآه على السّرور
ـ كان المكان رائعا وديعا يأخذ الألباب إنه غابة بل جنّة متراميّة الأطراف تعانقت أغصان أشجارها الباسقة ببعضها البعض وامتد اخضرارها على مدى البصر وقد سحرت النفوس بجمالها الأخاذ وظلالها الوارفة وطيورها المغردة وهوائها النقي.
ـ وصلنا إلى مكان من الغابة موحش أشجاره كثيفة تحجب أشعة الشمس وسكونه مريب يرعب القلب وخشخشة أوراقه اليابسة تحت الأقدام تقشعر الأبدان
ـ هذه جنّة من جنان الفردوس أشجارها وارفة الظلال خضراء متعانقة الأغصان وعصافيرها تمرح في بهجة لاعبة هانئة غير عابئة بما حولها وغزلانها وسناجبها وأرانبها ترتع وتمرح وترعى العشب الأحضر النّضر في اطمئنان وراحة.
ـ كانت الغابة أشد سحرا عند الغروب فالشّمس تبذر تبرها المحمرّ اللّمّاع على الخضرة فتزيدها رونقا وبهاء وتختبئ في خجل مودّعة الطّبيعة جاعلة من الأشجار حجابا أو وشاحا مزركشا يضفي على جمالها جمالا وعلى بهائها بهاء
ـ زرت مدينة، سباني جمال طبيعتها: رمال عسجديّة صفراء في شاطئها، وأشجار زبرجديّة خضراء في غاباتها، ومياه لازورديّة زرقاء في بحرها، فإذا وقفت في رُبوة من رباها، متّعت بصرك بجمال الرّبى، وروعة الماء، وبهاء الغاب
المنحدرات
ـ واد نضير خصيب تحيط به جبال صخرية يتدفق منها ماء غزير عذب صاف يتلوّى في سواقي متعرّجة متفرّقة تارة، ومتّحدة أخرى تلتقي في قعر الوادي
ـ جبال شاهقة توجد فيها عين ماء فوارة يتدفق منها ماء غزير فإذا هي شلالات تنهمر على المنحدرات
ـ منحدرات بها ينابيع رقراقة كثيرة تتفرع منها مئات الجداول فتحدث خريرا دائما يستهوي القلوب ويشنّف الأسماع
البحر
ـ شاطئ البحر ضفافه فضية بلون الفجر ورماله ذهبية بلون الشمس ومياهه زرقاء بلون السّماء
ـ كان الماء في البحر أزرق صافيا يحاكي زرقة السماء وصفاء البلور وكان بعض النّاس قد استلقوا على الرمال الذهبية اللّامعة معرضين بشرتهم إلى أشعة الشمس الحارقة والبعض الآخر فضل الجلوس في ظل الشّمسيات بينما أخذت مجموعة من الشبان يلعبون بالكرة يقفزون ويتصايحون وعلى سطح الماء زوارق صغيرة ناشرة أشرعتها كأنها حمائم بيضاء
ـ كانت أمواج البحر تتلألأ تحت أشعة الشمس الحارقة ورمال شاطئه تلمع كأنها التبر
ـ كانت السفينة تمخر عباب البحر بينما بدأ البحر يثور كالجمال الهائجة وأخذت الأمواج تتجمع مزمجرة مزبدة وجعلت الرياح العاتية تتلاعب وترمي بها في كل الاتجاهات
ـ البحر … جبّار عنيد، إن غضب، وثار. ولطيف، كريم إن سكن ولان !! البحر مغر، جذّاب ولكنّه غرور، فتّاك، قاتل !
الصحراء
ـ تبدو الواحة كجزيرة أو كزمرّدة تتلألأ وسط صحراء من الرّمال الصّفراء البرّاقة، وهذه المجموعة من نبات وصحراء، وجوّ وشمس، يعطي بعضها بعضا جاذبيّة ساحرة
ـ يقصد النّاس الواحة للتنعّم بجنّاتها، وطيب هوائها، واعتداله في أيّام الشّتاء، وتمتدّ جنّات النّخيل كيلومترات، تتخلّلها عيون جاريّة
ـ توغلنا في الصحراء القاحلة فامتدت أمامنا الرمال رداء يلف الدنيا من حولنا بصفرة فيها بريق الذهب ولمعان التبر وبدت تجاعيد رمالها متلاحقة في انسياب والتواء وكثبانها أكثر تباعدا وأشد روعة وجمالا حتّى بلغنا قلبها فوجدنا أنفسنا داخل واحة يتوجها النخيل وتخترقها المسارب والجداول يترقرق فيها الماء على مهل يتلألأ تحت أشعة شمس كأنها لا تغيب أبدا
ـ هبت عاصفة رملية فامتلأت الأرض والسماء بالرياح الشديدة المحملة بالرمل
امتدت أمامنا الرمال رداء يلف الدنيا بصفرة فيها بريق الذهب ولمعان التبر
ـ جزر خضراء … في رمال صفراء … فيها ظلال وارفة، ومياه جارية، وأشجار يانعة، تحيل قسوة الصّحراء إلى لين وشقاءها إلى نعيم … تلك هي الواحات، في الجنوب
ـ في الواحات … ترى عمالقة النّخيل، تحيط بالبساتين، أو تحتلّ وسطها، صفوفا مستقيمة، متناسقة، وقد تحزّمت بالدّوالي، والكروم … في أوساطها … وتراصفت أشجار الرّمّان، حول جذوعها … فتختلط الثّمار، مثلما اشتبكت الأشجار … فترى أبدع منظر، وأروع جمال … عراجين التّمر، تحنو على عناقيد العنب … المتدليّة فوق الرّمّان، والسّفرجل والتّفّاح … وما شئت من ثمار، أروتها المياه، وأنضجتها حرارة الشّمس. يمتدّ تحت الجميع، بساط من الحشائش، وأصناف البقول. يغريك بالجلوس ويدعوك للمكوث … فإذا استجبت للإغراء شنّف سمعك خرير الماء، المنساب في السّواقي. وأطربتك زقزقة العصافير، المتواثبة بين الأغصان، الباحثة عن رزقها بين الثّمار النّاضجة والحشرات الطائرة. هكذا هي البساتين … في الواحات … إنّها بهجة للأعين، ومطمح للأنفس، وعرضة للأيدي … لذلك تحرس البساتين باستمرار، خوفا من عبث الصّغار، وفضول الكبار
|
وصف الأماكن الاجتماعية
المدينة
ـ وقفت في أوّل الشّارع وأرسلت نظري فرأيت على الجانبين مغازات عصرية وبعض أكشاك وصفوف من السيارات مركونة
ـ مدينة عجيبة غريبة متسعة الأرجاء مترامية الأطراف طرقاتها زرعت على جانبها أشجار الورد والفل وفي شرفات منازلها أصص القرنفل
ـ سرت في المدينة فإذا بي أشقّ شوارع واسعة، وألج ساحات تحيط بها مقاه وفنادق ومغازات، وأقف أمام حدائق عموميّة زيّنتها أشجار باسقة خضراء وعمّتها الخلائق من النّاس، هؤلاء النّاس الّذين احتشدوا في كلّ الأمكنة يترقّبون الحافلات، أو يجتازون الشّوارع بحذر متّبعين الممرّات المسمّرة، أو يسيرون بتأنّ عند ملتقى الطّرق حيث نجد رجال الشّرطة، ينظّمون حركة السّير ويسهرون على راحة المواطن
ـ في جوّ المدن لا يشعر الإنسان بالسّماء إلاّ عند المطر، ولا بجمال الشّمس أو جمال القمر، فكلّ ما حوله من جمال جمال صناعيّ. فهو قد استغنى بجمال باقات الزّهور عن الزّهور في منابتها، وبثريّا الكهرباء عن ثريّا السّماء، وبالحسن المصنوع عن الحسن الطّبيعيّ
ـ بهرتني المساجد ذات المنارات الرفيعة والمدارس العديدة والمستشفيات بنظامها والبنايات بتناسقها
القرية
ـ ما أروع مشهد القرية بصومعتها الشامخة وحقولها المترامية وشمسها الوهاجة ورقرقة مياه سواقيها وزقزقة عصافيرها وأغاني فلاحيها
ـ خرجت مُبَكَّرًا أمشي بين الحقول، وأرقب الشّمس في طلوعها، والشّمس في الرّيف أجمل منها في غيره، فلا بنايات شاهقة تحجبها، ولا جدران تمنع حرارتها، بل هي تصافح النّاس مباشرة في وداعة ولطف وحنان
ـ في القرية الحياة حرّة طليقة، والجوّ مفتوح، والهواء جديد لم تفسده الحضارة بدخانها وغازاتها وسمومها، ولم تحبسه الأبنية الشّامخة، ولم تحجزه الحيطان الأربعة، تتجدّد النّفس بتجدّده، وتمتلئ نشاطا من نشاطه
ـ إنّما يشعر الإنسان حقيقة بجمال الكون، يوم يخرج إلى الرّيف، ويفرّ إلى القرى والباديّة حيث أحضان الطّبيعة فيكشف له الخالق عن جمال مخلوقاته، وتأخذ بلبّه السّماء في لانهايتها، والبحار في أبديّتها
ـ دخلت منزلا تحيط به حديقة فسيحة غرست أشجارا ظليلة وأزهارا عطرة وإذا الأشجار تتراقص أغصانها على السور تكسوه خضرة وتزيده بهاء وفي وسط المنزل فناء فسيح زاده رونقا وبهاء
|
وصف الطبيعة الغاضبة
ـ الأرض قاحلة مشققة ممتدّة حتّى الأفق تخطب ودّ السّماء في تضرّع لتمطرها بقطرات من الماء تعيد إليها الحياة. فلطالما حلمت بأن تعود لها نظارتها فتنموا أعشابها، وتزهر ورودها، وتعمّرها العصافير
ـ قطّبت السّماء وحهها وتلبدّت الغيوم في السّماء وانطلقت الرياح تعبث بكلّ شيء تولول وتصفّر وتتنقل في الشوارع وبين البيوت تتوعّد وتتهدّد
ـ تلبدت السماء بالغيوم ونزلت الأمطار كأفواه القرب ظنناها سحابة عابرة لكنها لم تنقشع ولم تزدد الأمطار إلا شدة ولم يزدد الرعد إلا قعقعة وقصفا حتى لكأن الدنيا مجنونة عاودتها نوبتها فهي تصرخ وتقفز وتمزق ثوبها بيدها وتشق حنجرتها بصراخها وازداد الرعد قرقعة وألهب البرق واستشرى وأغدقت السماء وجادت وعصفت الريح وثارت وتدفق السيل يطيح بالأخضر واليابس.
ـ ثار جنون العاصفة مولولة ثائرة غاضبة ترمي بما يعترضها هنا وهناك دون شفقة ولا رحمة فخفت وعرفت يومها خوفا ما عرفت له مثيلا في حياتي، ولا أعتقد أنّني سأرى مجدّدا الطّبيعة على هذا الوجه
ـ ألقيت نظرة من خلال نافذة الفصل فإذا الأشجار تهتز اهتزازا عنيفا وإذا الأمطار كأفواه القرب وإذا السّاحة بركة متماوجة فانقبضت نفسي وتراجعت إلى الوراء متسائلا في حيرة : كيف سأغادر هذا الفصل الدافئ لأواجه ذاك الزمهرير الهائج.
ـ سمعنا قعقعة عظمى فد انبعثت من السّماء فاهتزّت الأرض لها، أسرعت إلى النّافذة فرأيت منظرا هائلا، انقلب كلّ شيء، وارتفع في الفضاء، تدبر به الرّياح وتقبل، تعلو به وتنزل مولولة غاضبة. وخيّل إليّ أنّ العاصفة لن تهدأ قبل أن تقضي على كلّ شيء وكنت وحيدا أترقّب عودة والديّ …
ـ سمعنا قعقعة عظمى فد انبعثت من جميع أرجاء البحر في آن واحد، فاهتزّت السّماء، وانقلب عالي كلّ شيء أسفله، وصاح الجميع « العاصفة ». هنا رأيت منظرا هائلا، رأيت السّفينة ذرّة هائمة في ذلك الفضاء الفسيح، تقبل بها الرّياح وتدبر، وتعلو بها الأمواج وتنزل، ترتفع ارتفاع الجبال حتّى تكاد تلامس السّماء، وهي ترغي وتزبد، وأصبحت مقدّمة السّفينة ترتفع، ومؤخّرتها تهبط. علم ركّابها أنّ الهلاك أصبح على قاب قوسين منهم أو أدنى فذعروا وتهافتوا على سطحها يصيحون ويطلبون النّجدة
ـ سرت في الشارع المقفر مواجها ريحا عاتية تصفع وجهي وتلسع ساقي وتتسرب تحت معطفي فيقشعر جلدي ويرتعش جسمي وتصطك أسناني فأنطلق مهرولا حانيا ظهري دافنا رأسي بين كتفي ومن حين لآخر أخرج منديلا أمسح به أنفي وقد استحال نبعا لا ينضب ماؤه.
ـ حشدت الرّيح السّحب، فازدادت دكنة وانحطاطا شيئا فشيئا حتّى تدلّت نحو الأرض وهي تدوّي وتئنّ، ولمع البرق، وطنّ الرّعد طنينا، وأزّ أزيزا، وعوت الرّياح مختصمة فيما بينها، فقذفت بكلّ ما اعترضها، حينها اعتصرت السّحب وألقت بما فيها على المنازل وكلّ من حولها أمطارا كأفواه القرب
ـ انتابني الذعر لمنظر الأشجار الساقطة والجذوع المتهاوية والأغصان المتناثرة السّابحة في مياه السّيول الجارفة الملتفّة بالمنازل كأنّها حيّة قد أحكمت قبضتها بفريستها وهيّأت نفسها لابتلاعها
ـ ازدادت العاصفة قساوة عندما هطل المطر وتساقط البرد يرجم الأشجار والأرض وأمل الفلاحين وشقت الأرض في صلب الأرض جداول تتدفق ملتوية تجرف التربة فتجرف معها الحياة استمرت هذه العاصفة ساعة من الزمن كانت أطول من الدهر وأقسى من ضربات الفأس والمعول
ـ خرجت من المدرسة في يوم من أيّام الشّتاء، وأخذت أمشي بخطى سريعة، غير مبال بالزّمهرير، لأنّي كنت أريد الوصول بسرعة إلى المنزل، ولمّا كنت في منتصف الطّريق، هبّت ريح عاصفة شديدة دوّت بها جوانب الأفق، وقعقعت لها قبّة السّماء، حتّى حسبتها توشك أن تنقضّ، وأخذت تجاذبني معطفي مجاذبة شديدة، كأنّها تأبى إلاّ أن تنزعه منّي،استمررت أدراجي،أتيامن معها تارة، وأتياسر أخرى، وأندفع متقدّما، وأكرّ راجعا، هدأت العاصفة قليلا، ولكنّها ما هدأت إلاّ لتفتح الطّريق إلى الغيث الهاطل، فلم تهدأ ثورتها حتّى ثار ثائره، وأخذ يتساقط سقوطا شديدا، فابتلّ معطفي، ومشت الرّعدة في جميع أعضائي. ولكنّي تجلّدت، وقاومت، وغالبت الطّبيعة، حتّى وصلت، ولكنّي لم أصل إلاّ بعد وقت طويل
ـ غمرت الظّلمة الكون، وبدأت الأمطار تنهمر بغزارة، والعواصف تصفّر، وتتسارع، فترتعش لهولها الأشجار، وتتململ أمامها الأرض، اختبأ النّاس والحيوانات، ولم يبق سواها تخطب على مسامع العمارات، والمنازل
ـ في فصل الخريف الشمس خجولة والهواء لطيف أوراق الأشجار الصّفراء تتساقط وتتطاير في الفضاء الرحب كتطاير العبرات، ثمّ تتكدّس، وتتراكم على الأرض
ـ كانت السّحب كثيرا ما تتكاثف فوق الجبال، ثمّ تسقط أمطار تمدّ الوادي بالحياة، وتسيل فيه بقوة. وكثيرا ما حدث أن فاض الوادي وأصاب القرية المجاورة الموجودة في مكان منخفض بفيضاناته
ـ رمينا إلى بعضنا بحبال تعيق جرّ الماء لأمتعة النّاس، وسارت الأمور على أحسن وجه، وأخيرا بدأ الفيضان ينحبس
|
وصف الطّبيعة الحالمة
ـ كانت الحديقة فاتنة، فالأزهار تتطاول مبرزة نفسها نحو الضياء، وأغصان الأشجار تعانق بعضها بعضا في رقّة وحنان، والطّيور تتنقّل بينها منشدة لحن الحياة
ـ ولد الرّبيع من جديد، وانبثقت معه سيول من الضّياء تتدفّق بعد ذلك الظلام الطّويل. الطّبيعة تفتح رئتيها للهواء النّقيّ وقد تخلّصت من ثقل الشّتاء الّذي كان جاثما على صدرها
ـ ذهبت إلى الحديقة رغبة في النزهة، فوجدت كل شيء فيها يضحك، الأزهار مفتحة تملأ الجو عبيرا، والفراشات راقصة فرحا بالربيع، والعصافير منشغلة ببناء أعشاشها تغرّد وتنشد أعذب الألحان، المياه تترقرق من بين الصّخور في بطء وانسجام
ـ استيقظ الطّفل وقد أفعم صدره أملا وحبورا، لم يعرف لهما مثيلا منذ أيّام عديدة. فتح النّافذة فإذا الشّمس الفتّانة تدعوه في رقّة ودلال للخروج، وإذا بالأشجار بقامتها الممشوقة، وخضرتها الجذّابة، وبريق النّدى على أوراقها توقظ في نفسه حبّ التّجوال، والتنزّه
ـ توقّفنا ونزلنا وإذا بنا وسط واحة من أشجار النّخيل، وكم كان ابتهاجي كبيرا وأنا أتملّى ذلك المنظر الجميل، فهو يبدو كلوحة فنيّة رائعة
ـ كان الربيع قد انتشر في كل مكان وكسا الأرض رداؤه المرقش فالحقول قد هاجت بالأزهار على اختلاف أنواعها وألوانها والأشجار ارتدت حلة من الأوراق الفتية والطيور خرجت ترنم أناشيد الفرح بقدوم فصل الجمال والطبيعة كلها بهجة ومرح.
ـ وقفت أنظر إلى المروج الخضراء الممتدّة بأعشابها الناضرة، وورودها اليانعة، وإلى السّهول المنبسطة انبساطا يبعث في النّفس السّرور، ويجعلها تهفو إلى أن أكرافها الواسعة الّتي تبهج العين بآيات فنّها، وتروّح الصّدر بهوائها العليل، وتبهج الرّوح بنفحاتها الشذيّة. ظللت أتنقّل من مكان إلى مكان حتّى إذا نال منّي التّعب أويت إلى سنديانة ظليلة لأرتاح.
ـ وصلنا إلى المكان فإذا هو حديقة غناء يكسو أرضها بساط من الأعشاب الخضراء وانتشرت الأزهار الفواحة من خلالها تدغدغ الأنوف وتهز النفوس وتنشيها، وبدت السماء كعين الطفل صفاء تغطيها العصافير المغردة تخالها في عرس أو مهرجان من الألحان وما ألحانها إلا فيضان ما في قلبها من الغبطة بالوجود…
ـ جلست تحت سنديانة ظليلة، أغصانها متشابكة، يمرّ بها النّسيم فتطرب، ويداعبها بأصابعه الخفيّة فتسمعني من حفيف أوراقها، وتغريد بلابلها أعذب معزوفة غنّتها أوتار الحياة
ـ فتنني هذا المنظر البديع، واطمأنّت نفسي لسحره، وموسيقاه المنبعثة من حفيف الأوراق، وخرير المياه المنسابة في هدوء، وتغاريد العصافير المبتهجة المتنقلّة من غصن إلى غصن، واستأنست لكلّ ما حولي أنسا عظيما
ـ فصل الرّبيع، فصل الأحلام، الكلّ منتش غارق في الأحلام، فالعصافير منشغلة ببناء أعشاشها تحلم بفراخها والأشجار الخضراء بأغصانها وأوراقها الغضّة تحلم بالثمار، والحيوانات ترعى العشب في طمأنينة تحلم بصغارها تدب حواليها والفلاح يتأمّل حقله يحلم بالسنبلة التي دفن أمها في الأرض تلك هي يقظة الحياة بعد هجوعها .
ـ لم أنتبه من حلمي إلاّ آخر العشيّ والشّمس عند الأفق تقف وقفة الوداع بلونها الأحمر المتوجّه الّذي أضفى على الدّنيا هالة من التبر المتلألئ وكأنّها لا تريد المغادرة
ـ بدأ الظلام يمتدّ، وينبسط على المكان، فأخذت طريق العودة وفي نفسي سرور عظيم وارتياح ونشوة لا توصف. إنّ الطّبيعة لهي الفضاء الرّحب الّذي يتأمّل فيه الإنسان آيات الفنّ وشواهد الجمال، وفيه يطمئنّ، قلبه ويشعر بالسّكينة، وتفعم نفسه ابتهاجا وأملا.
ـ انبثق الفجر وتهادى النّور يشقّ طريقه بين فجوج الأشجار النّاعسة يدغدغها، ويرقص أغصانها وأوراقها الغضّة، فتتمطّى وتفتح عينيها في هدوء ودلال، وتهتزّ لتوقظ العصافير النّائمة، وتعلمها بحلول يوم جديد
ـ كان اليوم ربيعيّا صاحيّا صفت فيه السّماء، وزها الكون بعد فترة سبات، فخرجت لأنعم بما حبانا به اللّه من جمال بديع، لم أبتعد كثيرا، كانت الطّبيعة تحتويني، أشجار خضراء باسقة تتطاول رافعة أعناقها إلى السّماء حامدة شاكرة، وعلى أغصانها حطّت طيور مغرّدة بمعزوفة هي أشبه بابتهالات تمجّد قدرة الخالق على الخلق، وتحت قدميّ امتدّ بساط أخضر زركش بضروب من الزّهر وشقاشق النّعمان
ـ سرت بين نفحات الرياحين وأهازيج الطيور وخرير السواقي وخوار البقر وصهيل الخيل وصياح الديكة وثغاء الأغنام ثم تخليت عنها لأمتع نظري بهذا الوشاح البديع الذي يغشي الأرض ولأستمع إلى أصوات تلك المخلوقات التي تسبح بلغاتها العديدة وظللت أملأ رئتي من هذا النسيم العطر الذي يتنازعه قر الشتاء وحر الصيف فلله ما أجمل الربيع
ـ كانت الشّمس تستعدّ لتأوي إلى مرقدها، كانت تقاوم الرّغبة في البقاء، فأضفت على الكون هالة من السّحر، ونثرت على الطّبيعة غبار التّبر فتلألأ في كلّ مكان
ـ تراقصت حولي فراشات مزهوّة بألوانها الفاتنة تغازل الزّهور تارة وتلثمها أخرى ممعنة في امتصاص لذيذ رحيقها
ـ لمس الرّبيع الأزهار بعصاه السّحريّة فتباينت ألوانها في تناسق عجيب
ـ كان الفصل ربيعيا فالسماء زرقاء صافية وشمسها مشرقة وروائح الأزهار الذكية تمتزج بالهواء وتملأ الصدر انشراحا وتداعب الألوان الزاهية الأبصار فتريحها
ـ كان النّسيم عليلا بليلا يعبق بشذى الطّبيعة العذب يداعب وجنتيّ، ويهدّئ نفسي، ويخدّرها، فأنعم بلذيذ الأحلام، وأسبح في عالم من الخيال، عالم كلّه سعادة وحبور يخفق له قلبي ويحلّق فيه فؤادي نشوة عارمة
ـ عدت إلى المنزل أسبح مع النّسائم وأبتهل مع الطّيور العائدة إلى مراقدها، الحامدة الشاكرة لربّ قدير رحيم جعل الجمال في متناول كلّ كائن لينعم به، ويتأمّل فيه
ـ أحسست بيد سحريّة دافئة توقظني برقّة ولطف، تململت قليلا، وفتحت عينيّ، وإذا بأشعّة الشّمس تتسلّل من النّافذة، فتغمر الغرفة بموجة من الدّفء والنّور، وتبعث في النّفس نشوة ورغبة في الخروج. نظرت من النّافذة فإذا الطّبيعة ملء العيون بما أبدع اللّه فيها من ألوان زاهرة، وأبرزه من أغصان ناضرة، وخلقه من جمال رائع، متناسق، منسجم يحيّر العقول، ويأخذ اللّبّ، ويعلّم الفنّانين فنّهم، ويرقّي ذوقهم، ويلهمهم الإبداع في التّنميق، والإجادة في التّزويق…
ـ حلّ الربيع وتجلّت الطّبيعة في أحلى حللها، فملأت الجوّ عطرا بأزهارها العبقة، وثمارها الفائحة، وريّاحينها الطّيّبة، فأنعشت النّفوس، وبعثت الأمل، وحرّكت أشجان الطّيور، وأطلقت لسانها. كانت عجماء فأفصحت، وكانت خرساء فنطقت، وكانت بكماء فصوّتت وغرّدت. ولمّا غنّت، حرّكت أشجان الإنسان، وأوحت إليه بالمعاني الحسان، فخرج النّاس إلى الحدائق،
والغابات، يتمتّعون بسحر الرّبيع
الرّحلات
ـ قرّرت أن أزور مع أصدقائي الغابة المجاورة للمدينة. وصلنا فكانت الشّمس ترسل أشعّتها الذّهبيّة الهادئة على الأشجارفتزيدها جمالا وفتنة
ـ استمررت أسير متنقّلا بين الحقول، والبساتين
ـ وكاد الوقت ينقضي، ونحن في لعب مرح، وأحاديث حلوة شائقة، فنبّهنا المعلّم إلى أن نستعدّ للرّجوع، فاستعددنا متراخين كأنّنا استيقظنا من حلم جميل
ـ وصلنا إلى مدينة عظيمة بيوتها بيضاء، ونوافذها كبيرة، وطرقاتها متعرّجة
ـ في يوم من أيّام الرّبيع الجميلة، ونسيم الهواء يداعب أوراق الشّجر والأغصان تتمايل، والعصافير تغنّي. استيقظت في منتهى الحيويّة، والنّشاط، وخرجت أتجوّل
|
التّعب
ـ ذهبت مع أفراد عائلتي إلى الضّيعة، وشاركتهم جني الزّيتون ، وفرحهم، وزغاريدهم. وفي آخر النّهار عدت إلى المنزل منهوك القوى. ولكن رغم التّعب الّذي شعرت به … فإنّي كنت سعيدا جدّا، ولن يدرك سرّ سعادتي إلاّ من قضّى اليوم كلّه في الضّيعة
الفشل
ـ أخذت أمّي توبّخني … وأنا واقف أمامها مطأطئ الرّأس، ولم أشعر بعبراتي إلاّ وهي تنحدر فوق جبهتي … دخلت غرفتي وحزني على ما فعلت عظيم، ولوعتي أشدّ وأعظم، أسفت لما سببته لها من ألم وحزن، وندمت على كذبي، وعسى اللّه أن يغفر لي
ـ أخذت أمّي توبّخني … فرفعت رأسي، وقلت لها بلهجة كلّها صدق: » ما أظنّني فعلت سوءا، وما اعتديت على أحد … وأنت تعرف ذلك منّي جيّدا … فما ألجأك إلى كلّ هذا الغضب؟
العمل
ـ جلست إلى المنضدة، وانكببت على عملي بهمّة ونشاط، وانصرفت إليه انصرافا كاملا، وقضّيت ساعات أبحث بجدّ ولا همّ لي غير ما كلّفني به المعلّم، وبعد عناء طويل وجدت ضالّتي، وكانت فرحتي خير عزاء لي على تعبي، وأحسن جزاء أجازى به على صبري. قدّمت بحثي، وشكرني المعلّم، وأشاد بي أمام أصدقائي. خرجت إلى السّاحة، وكلّي فخر واعتزاز، يعود الفضل فيه إلى جدّي، واجتهادي في عملي، وإلى استقامتي
الفرح
ـ سمعت نتيجة نجاحي، فكدت أطير لفرحي، والدّنيا لا تسعني لفرط ابتهاجي وغبطتي
الفزع
ـ غفوت … ولكننّي لم أهنأ بنومي طويلا … فقد رأيت أبي في منامي وهو يرعد ويبرق … كان غاضبا أشدّ الغضب
المرض
ـ رجعت إلى المنزل، وأنا في حالة يرثى لها، إعياء وتعبا، وأوجاعا … لازمت الفراش أسبوعا كاملا
الحيرة
ـ احترت في أمري، وبقيت شارد اللّبّ، أفكّر في حلّ، ولم أجد … فجأة لمعت في ذهني فكرة … إنّني وجدت الحلّ الّذي أنشده
|